بداية، لا بد من الاشارة الى ان هذا المقال لا يتضمن، كما يحلو للبعض ان يتّهمه قبل ان يقرأه، ايّ نفحة عنصريّة او تعصّب ضد السوريين او غيرهم، ولكنه يعكس واقعاً واضحاً وظاهراً للجميع.
الانطلاقة ستكون من الكلام الصادر اخيراً عن محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر من انه "بين كل 3 ولادات ببعلبك-الهرمل هناك سوريان ولبناني، وهذا مؤشر خطير". هذا المؤشر الخطير الذي يتحدث عنه بشير، متعدد الوجوه ويغطّي كل المجالات: الاجتماعية، الامنية، الطبية، الديموغرافية... وها هي بادرة رمي الاهل لاولادهم تتكاثر كدليل حسّي على احد اوجه الخطورة التي بتنا نعيشها.
برأيي، لا يمكن لاحد ان يعطي اسباباً تخفيفية لاي أم او أب يرمي طفله في الشارع بين النفايات، ويتركه فريسة سهلة لرحمة الحيوانات ووحشية الانسان، لان الاهل في هذه الحالة يستحقون، على الاقل، المصير نفسه، ولا يمكن قبول التحجّج بذرائع الضائقة المعيشيّة والاجتماعيّة لتبرير هذا العمل الاجرامي، فالافضل عندها الامتناع عن الانجاب، ولا يتحجّجن احد بالاخلاق الدينيّة في هذا المجال، لان رمي الاطفال في الشارع ليس من تعاليم اي دين سماوي، ولا حتى لدى الاديان غير السماوية... واللافت انه في حين من المتوقع ان يكون بين هؤلاء الاطفال، سوريّون، الا انه وفق ما هو معلوم، فإنّهم لا ينتمون الى الجنسيّة السوريّة. ويسأل المرء عن السبب الذي يجعل السوريين افضل من اللبنانيين في هذا المجال، والاجوبة عديدة. وفيما نرغب جميعاً في الدفع نحو حسّ الانسانيّة لدى السوريين، من المنطقي طرح سؤال عن حالة النازحين السوريين الذين يؤكّد المجتمع الدولي انها كارثيّة في لبنان، فلماذا لا يتشبّه السوريون باللبنانيين في هذا المجال؟ يجيب احد المنتمين الى المنظّمات غير الحكوميّة التي تتعامل مع المجتمع الدولي، ان الامم المتحدة تدفع للنازحين على الاولاد، وبالتالي فإنّ التخلص من ولد لا يعود بالفائدة على الاهل، لا بل ينعكس عليهم سلباً، على عكس اللبنانيين الذين يرون في ارتكاب الجريمة البشعة، باب خلاص من عبء التكلفة المفروضة التي تترافق مع ولادة الطفل إنْ من الناحية الغذائيّة، او من الناحية الطبّية.
وايضاً من المؤشرات الخطيرة التي يمكن التوقف عندها في كلام بشير، التغيير الديموغرافي الذي سيطلّ برأسه بعد سنوات قليلة، اذ اضافة الى نسبة الولادات الاكبر لدى السوريين والتي ستؤمّن لهم التفوق العددي المريح، هناك نسبة كبيرة من الهجرة اللبنانية "الزائدة" التي لم تتوقف منذ اكثر من ثلاث سنوات، مع تنامي ظاهرة رمي الاولاد ايضاً، ما يمكن اعتباره من الامور الخطيرة التي تهدّد وجود لبنان وهويّته التي لطالما اشتهر بها في العالم. ولن يكون من المستغرب بعد سنوات قليلة فقط، مطالبة السوريين بتمثيلهم في مجلس النواب، وبعدها التمثيل الوزاري، وصولاً الى الرئاسات الثلاث، وما المانع في ظلّ الدعم الدولي اللامحدود لبقائهم في لبنان وتأمين اوضاعهم؟.
لا احد يتهم السوريين بأنهم سبب عدم انسانية بعض اللبنانيين، انما اصابع الاتهام موجهة الى العالم اجمع الذي اخذ طرفاً وفضّل استمرار المعاناة اللبنانية على تشجيعهم للعودة الآمنة والكريمة الى بلدهم، وهل من عاقل يصدّق ان الانفتاح على سوريا يقتصر فقط على الامور السياسية والدبلوماسية والاستثمارية من دون الاخذ بالاعتبار الاوضاع الانسانيّة للعائدين من النازحين الى منازلهم؟ ولو سلمنا جدلاً ان الرئيس السوري بشار الاسد يهدّد حياة مواطنيه العائدين، فلماذا لا يتمّ فرض حصار عليه والعمل على اسقاطه؟ او مواكبته دبلوماسياً وسياسياً حتى تحقيق هذ الهدف؟ ولماذا تقف الامور دائماً عند خط النازحين؟.
كلها مؤشرات خطيرة يعيشها لبنان، والمخيف فيها انها تزداد خطورة مع الوقت، ومن له اذنان سامعتان فليسمع...